أبي.. سأسمع كلامك فقط عندما تصرخ:
الوالد يقول لابنه: حسن، يجب أن تخرج القمامة، فيرد حسن: سأفعل.
الوالد بعد دقائق: لا تنسَ أن تخرج القمامة، فيرد حسن: سأفعل.
الوالد بعد فترة: هذه القمامة تزعجني خذها إلى الخارج ولا تنسَ، حسن يرد قائلاً: حالاً سأفعل.
الوالد بعد فترة وهو غاضب يصرخ: ألن تسمع كلامي أبداً؟ هيا خذها إلى الخارج فوراً، قم حالاً، كمن أنت ولد غير مطيع... فيقوم حسن متكاسلاً ويحمل القمامة ويرميها...
هل تعلم ما الدرس الذي تعلّمه حسن من والده؟ لقد تعلّم ألا يطيع والده عندما يكون هادئاً وعليه أن يهمل أمره ما دام يلح ويكرر كلامه، فقط عندما يصرخ ويغضب على حسن أن يسرع في تنفيذ أمر والده، وهكذا تصبح تلك السياسة عادة حسن الدائمة مع والديه...
أُمي.. التوسل يجعلك أمامي ضعيفة:
الأُم تقول لابنها: ليتك يا خالد تنظف غرفتك، أتمنى أن أراها نظيفة... فهل تتوقع من ابنها أن ينفذ أمنية أُمه؟ إنّ مَن يتمنى دوماً هو الطرف الأضعف، وبالتالي يصبح الطفل هو الطرف الأقوى الذي يقرر ماذا سيفعل بأمنية أُمه... بل إنّ الأُمّهات قد يستخدمن أسلوباً آخر هو أشد "ضعفاً" من التمني، وهو أسلوب التوسل والالتماس، فترى الأُم تقول لطفليها مثلاً: هل يمكن أن تتوقفوا عن الشجار من فضلكم؟ فأنا أكره أن تتصرفوا بهذه الطريقة، هل لكم أن تلتزموا الأدب مع بعضكم حتى نصل إلى البيت؟ التزموا الأدب لبعض الوقت فقط، من أجل أُمكم حبيبتكم؟... لو كنت مكان هذين الطفلين هل ستسمع كلام أُمك؟
بالرشوة لن أطيعك يا أبي:
إذا خلعت ملابسك الآن، فسأعطيك موزة.. كم تأخذ ولا تخبر أباك...
إنّ رشوة الطفل – بهذه الطريقة – سلوك تربوي خاطئ، فهي كالمسكنات التي تخفف الألم ولا تشفي المرض، وتمرّ الأيام لتصبح تلك المسكنات (الرشاوى) مشكلة في حد ذاتها، وبدلاً من الرشوة استخدم المكافأة، لكن السؤال: كيف يمكن أن نفرّق بين الرشوة والمكافأة؟
"بالرشوة يصبح شعار طفلك "مَن يدفع أكثر سأطيعه أكثر، ويمكنني أن أنتظر ولا أطيعك حتى أحصل على السعر الأعلى".
إنّ الرشوة يكون فيها وعد محدد للمشاركة في خداع الآخرين، فأنت تدعو الطفل لكتمان سر أو الكذب ليحصل على مقابل مادي، كأن تقول لابنك "سوف اشتري لك سيارة لعبة إذا لم تخبر ماما أنّك رأيتني أعطي جدتك نقوداً"، أو "سأسمح لك بالخروج والتأخير لمدة ساعتين إذا قلت لأبيك إنّ ماما كانت مريضة طوال النهار (وهي كانت نائمة) لذلك لم تصنع طعاماً"... وتستخدم الرشوة أيضاً في تشجيع الطفل على تغيير سلوكه لمرة واحدة فقط، كأن تقول لطفلك: "إذا لم تغضب هذه المرة في المحل – كعادتك – فسوف اشتري لك ما تريد"...
أنواع المكافآت للبنين والبنات:
1- المكافأة نتيجة خطة محددة:
أما منح المكافآت فيقتضي وجود خطة محكمة، واتفاق طويل المدى أو قصير المدى، وخير مثال على تلك الخطة وهذا الاتفاق ما حدث بين إبراهيم بن أدهم ووالده في القرن الثاني الهجري، يقول إبراهيم بن أدهم: "قال لي أبي، يا بني اطلب الحديث، فكلما سمعت حديثاً وحفظته فلك درهم، فطلب الحديث على هذا"...
فعندما ترغب في غرس سلوك جيد في طفلك مثل "الاستيقاظ لصلاة الفجر، أو غسل يديه قبل الطعام وبعده"، وعندما تتفق مع ابنك على تغيير سلوك سيئ يقوم به مثل "عادة مص الأصابع أو التبول اللاإرادي"، في كلتا الحالتين (غرس السلوك أو تعديله) تتفق مع طفلك على اتباع خطة للتنفيذ في وقت محدد وبمكافآت محددة أو غير محددة، فمثلاً تقول لطفلك: "إن مرّ اليوم بدون أن تمص أصابعك فلك مكافأة وهي مفاجأة، أو ولك مني آيس كريم مكافأة"، والطفل الأكبر سناً الذي يكون أكثر وعيّاً بقيمة النقود سوف يبدي استجابة جيدة للمكاسب المالية، ومن هنا تأتي فكرة "كيس النقود"، وهو عبارة عن كيس أو علبة نضع بها مبلغاً: من المال (عشرة جنيهات مثلاً) ونقسّمه لفئات صغيرة مثل أنصاف الجنيه، ثم نقول للطفل: هذا المبلغ يكون ملكك في نهاية الأسبوع، بشرط في كلّ مرة أطلب منك أن تصلي ولا تفعل آخذ منك نصف جنيه مما في الكيس، والمبلغ المتبقي في الكيس عند نهاية الأسبوع يكون ملكك، وهذه الطريقة سيتفاعل معها الطفل بصورة قوية، لأنّه سيشعر أنّه يملك عشرة جنيهات في قبضته، وسوف تسيطر عليه فكرة وجوب الحفاظ عليها جميعاً حتى لا يضطر للتخلي عن أي منها مقابل أي خطأ...
2- المكافآت التسابقية:
وفي المهام الصعبة التي تطلب من أبنائك أداءها استخدم معهم فكرة "المكافأة التسابقية"، كأن تقول "مَن يرمي القمامة وله نصف جنيه"، "مَن يغسل الأطباق وله ساعة يتأخرها خارج البيت مع زملائه"، "مَن يتولى تنظيف البيت لمدة ثلاثة أيام وله عزومة يستضيف فيها أصدقاءه في البيت على حسابنا".
3- المكافأة غير المتوقعة:
أما أفضل أنواع المكافآت فهي المكافآت غير المتوقعة، كأن تقول لطفلك: "أنا فخور بك جدّاً لأنّك منذ فترة تنظف حجرتك، هيا نذهب لنشتري الأيس كريم"...
4- المكافأة المسبقة:
عندما يرفض الطفل التعاون؛ فإنّ تقديم المكافأة مسبقاً يعد أمراً مشوقاً، يقول أحد الآباء: ذات مرة وفي أثناء ركوبي للطائرة، مررت بوقت عصيب لكي أجعل ابنتي "مريم" تتعاون معي، ومنذ ذلك الوقت، قمنا بحل المشكلة عن طريق "المكافأة المسبقة"، إنّها تحب حلوى معينة، لذلك فقد وعدتها بها إذا تعاونت معي طوال الرحلة، وعندما تتعاون معي طوال الرحلة، فقبل الرحلة نريها كمية الحلوى التي تحبها، وعندما تتعاون ونحن في طريقنا للمطار وحتى تقلع الطائرة؛ فإنّها تأخذ قطعة من الحلوى التي تفضلها، وفي النصف الأوّل من الرحلة تحصل على جزء آخر، وعند الهبوط تأخذ الربع الثالث، وعند الوصول تحصل على الربع الأخير، ولقد نجحت هذه الخطة في كلّ الرحلات، فقبل كلّ رحلة تقوم "مريم" برؤية الحلوى كاملة معنا، وكان يظهر في عينيها بريق عندما نوضح لها كم ستأخذ في كلّ مرحلة من الرحلة، وعلى الرغم من انشغالها في اللعب طوال الرحلة، فإنّها لا تنسى أبداً أن تحصل على حصتها من الحلوى، فلقد كانت تركز على التعاون حتى تحصل على ما تحب، وبجانب منحها مكافأة؛ فإنّنا كنا نمدها ببعض الأنشطة تقوم بها أثناء الرحلة، إنّه لمن غير المنطقي أن تتوقع من طفل صغير أن يجلس هادئاً وسعيداً دون عمل أي شيء ودون حافز ومكافأة في رحلة تستغرق خمس ساعات...
أفضل المكافآت هي إعطاء الأوقات:
أيها المربي الكريم، إنّ أفضل مكافأة تمنحها لطفلك؛ هي أن تمنحه "وقتاً"، فالوقت يعني الحب والاهتمام والخصوصية والتقدير، فيمكنك مثلاً أن تقول لطفلك: إذا تعاونت معي الآن وفعلت كذا، فسوف يكون لدي المزيد من الوقت لعمل شيء خاص بك فيما بعد...، وكلما تعاون الطفل، كانت المكافأة مزيداً من الوقت تقضيانه معاً – فيما بعد – لعمل شيء يحبه معك، ولكي تجعل تلك المكافأة جميلة ومثيرة وجذابة، اقضِ بعض الوقت للتفكير في الطريقة المناسبة لطبيعة شخصية طفلك وما يحبه، وإليك فيما يلي نماذج لتلك المكافآت المرتبة بالأوقات...
· إذا تعاونت معي في جمع الألعاب الآن؛ فسوف يكون لدي الوقت للعب الكرة معك.
· إذا نظفنا الحجرة الآن؛ فسوف يمكننا القيام بالرسم.
· إذا قمت بتجهيز ملابس المدرسة الليلة والحقيبة بمحتوياتها؛ فسوف يكون لدينا الوقت في الصباح لقراءة قصة.
· إذا تعاونت معي الآن ونفذت طلبي؛ فسوف يكون لدي الوقت لأفعل لك شيئاً مميزاً تحبه فيما بعد.
· إذا حضرت للعشاء الآن؛ فسوف يكون لدينا الوقت لحكاية قصة بعده.
وإليك هذه القائمة من المكافآت التي يمكنك أن تختار منها ما يناسب طفلك:
· قد نستطيع ركوب الدراجة أو الحمار أو الحصان معاً.
· يمكننا السير معاً.
· يمكننا لعب لعبة الاختباء.
· يمكننا اصطياد بعض الطيور.
· يمكننا خبز بعض الكعك.
· يمكننا قراءة ثلاث قصص قبل النوم.
· يمكننا الذهاب لتناول شيء في الخارج.
· يمكننا تناول الحلوى.
· يمكننا الذهاب للسباحة.
· يمكننا أن نغني أغنية جميلة معاً.
· يمكننا دعوة صديق تحبه معاً.
· يمكننا الذهاب في جولة بالسيارة.
· يمكننا الذهاب للتأرجح.
· يمكننا القيام بعمل فني، رسم أو غيره.
· يمكننا مشاهدة الفيديو أو برنامجاً مميزاً.
مع التوبيخ والمحاضرات أبناؤنا ثلاث فئات:
يلجأ بعض الآباء إلى توبيخ أطفالهم وإلقاء المحاضرات التأنيبية حتى يسمعوا كلامهم ويعدّلوا سلوكهم، فترى أُمّاً تقول لطفلها: "كم مرة قلت لك لا تدخل البيت مرتدياً الحذاء، إنّك لا تسمع كلامي أبداً، يا لك من ولد شقي"... وقد تسمع أباً يقول لطفله: "هذا هو القلم الثالث الذي يضيع منك، يجب أن تكون أكثر مسؤولية تجاه ممتلكاتك، إنّني عندما اشتري لك قلماً أشك أنّه سيظل معك حتى اليوم التالي، لو كنت واعياً لحافظت على قلمك ولما ضاع منك، كم أنت ولد مهمل، يا فرحتي بك عندي ولد كالأطفال الرضع لا يحافظ على ممتلكاته، اسمع، سوف اشتري لك قلماً جديداً، لكن احذر أن يضيع منك هذه المرة"...
ولأنّ أسوب إلقاء المحاضرات له طرفان هما المرسل (الآباء) والمستقبل (الأبناء)؛ فإنّني أردت أن أعرف رأي الأبناء في تلك المحاضرات وكيف يتعاملون معها، وعندما سألتهم انقسموا إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى قالوا: نحن بالفعل نكون مخطئين، لكن الوالد أو الوالدة يكثرون من الكلام، لذلك فنحن لا نفهم أي كلمة مما يقولون، ونستقبل الكلام بأذن لنخرجه من الأخرى دون أن يمرّ على عقولنا، ونقف منتظرين لكلمة الخلاص وهي: "اذهب من أمامي"، فنحن بداية من كلمة تعال هنا إلى كلمة اذهب من أمامي لا نفهم شيئاً...
الفئة الثانية قالوا: إنّنا لا نحب هذا الأسلوب، فنحن نقف مدة المحاضرة (من خمس دقائق إلى نصف ساعة) كالمحكوم عليهم بعقوبة الاستماع، ولذلك نحن نقاوم السماع ونفكر كيف نخرج أنفسنا من دائرة العقاب، لذلك نقف مفكرين فيما سنفعله بعدما تنتهي تلك العقوبة (المحاضرة)، فنفكر هل سنذهب للعب على الكمبيوتر أم على الإنترنت أم سنخرج مع أصدقائنا، كلّ هذا تعويض عن عقوبة المحاضرة، دون أن ننسى التفاعل – بالحد الأدنى – مع ما يقوله المحاضر سواء كان الوالد أو الوالدة، فنرد بكلمات مقتضبة مثل: "حاضر، سأفعل، لن أفعل، اتفقنا، آسف... وشعارنا في تلك المحاضرة المثل القائل "أذن من طين، وأذن من عجين"...
أما الفئة الثالثة فكان أمرهم عجباً، فلقد قالوا: إنّ ما يقوله الوالد أو الوالدة أثناء المحاضرة لا يصلنا كما هو، بل تصلنا ترجمته الفورية التي يقوم بها الشيطان، فعندما يسبني أبي قائلاً: يا غبي، يترجم الشيطان تلك الكلمات قائلاً: هل هذا هو الأب الملتزم كيف يسب ويشتم، وعندما يقول الوالد: أخوك الأصغر لم يفعل ذلك، يترجمها لي الشيطان قائلاً: إنّه يحب أخاك الأصغر أكثر منك يبدو أنّهم وجدوك على باب المسجد، وعندما يقول الوالد: سوف أحبسك في المنزل عقاباً لك، يترجمها الشيطان قائلاً: أنت لم تعد صغيراً... وكرد فعل طبيعي لتلك الترجمة، أتحفز في الرد على أبي وأتجهم، بل إنّني قد أعد أبي بشيء "بالكلام" وأنوي فعل العكس "عمليّاً" عنداً فيه، فخلال تلك المحاضرة عندما يقول لي أبي: "لا تمش مع فلان"، سأرد عليه طبعاً قائلاً: لن أمشي معه، وفي نفسي أقول: والله لأمشين معه عنداً فيك...
أيها المربي الكريم، ما أجمل أن نتعامل مع أخطاء أطفالنا بنظام الدقيقة الواحدة، ويعتمد هذا الأسلوب على (عتاب الأبناء ومدحهم ووعظهم وشكرهم والاعتذار لهم) في دقيقة واحدة، فكيف توبخ ابنك إن هو أخطأ في دقيقة واحدة؟ إذا عاد ابنك متأخراً إلى البيت، وكان قد كرر تأخره خلال الأسبوع، انظر إلى عينيه مباشرة، وقل له: لقد عدت متأخراً، وكررت ذلك للمرة الثانية هذا الأسبوع". ثم ينبغي أن تعبر عن حقيقة شعورك (بالغضب) فتقول: "أنا غاضب جدّاً منك يا بني، وأنا حزين جدّاً أنّك كررت ذلك مرتين، كلّ هذا في نصف الدقيقة الأوّل... المهم أن يشعر ابنك بالحزن، إذ لا يكفي أن يتلقى أبناؤنا التأنيب، لكن المهم أن يشعروا به، وسيشعر ابنك بعد كلامك المختصر أنّه لا يحب ما فعل، وقد يشعر بكره نحوك، إذ لا يرغب أحد منا أن يؤنبه أحد، وهذا بالضبط ما تريده من النصف الأوّل من الدقيقة، تريد ابنك أن يشعر بأنّه غير مرتاح، لكن ماذا تفعل إذا شعر ابنك بالضيق وأخذ يدافع عن نفسه؟ هنا ينبغي أن تكمل النصف الآخر من الدقيقة، فهو مفتاح النجاح لعملية التأنيب التي تقوم بها، ففي النصف الأوّل من الدقيقة قلت لطفلك أنّك غاضب منه، ومصاب بخيبة أمل فيه، وحزين بسبب سلوكه الخاطئ.. وفي النصف الآخر من الدقيقة انظر إلى وجهه واجعله يشعر بأنّك تقف إلى جانبه ولست ضده. وقل له ما يريد سماعه منك. قل له إنّه شخص طيب، وأنّك تحبه، ولكنك غير راضٍ عن سلوكه تلك الليلة، وأنّ هذا الأمر يزعجك جدّاً، ثم ضمه إلى صدرك بقوة حتى تعلمه أنّ التأنيب قد انتهى دون أن تذكر له ذلك.
وهكذا ففي النصف الأوّل من الدقيقة قمت بتوبيخ طفلك بأسرع وقت ممكن، وحددت له ما فعل، وعبرت عن شعورك بالغضب تجاه ما قام به، أما النصف الآخر من الدقيقة ففيه لحظات هدوء ومحبة ومنح للثقة، تذكر خلالها أنّك لا تقبل بسلوك طفلك الحالي، ولكنه ولد طيب، وتشعره بأنّك تحبه وتحتضنه، وبهذه الطريقة يشعر ابنك أنّها تؤلم أكثر بكثير من أسلوب التعنيف أو الضرب، ويشعر الأبناء أنّ تصرفاتهم السيئة لن تمرّ دون حساب، وأنّهم أشخاص طيبون ومحبوبون...
أبي.. من فضلك تجنب كلمات العراك:
اجعل طلباتك في شكل إيجابي أكثر منها في شكل سلبي، فعلى سبيل المثال: بدلاً من قولك "إذا لم تنهِ واجبك قبل العشاء فلن تشاهد البرنامج التلفزيوني الذي تحبه الليلة"، إنّ مثل هذه العبارة تستفز الطفل وتدفعه نحو العناد، وبدلاً منها جرّب أن تقول "إنّ برنامجك التلفزيوني المفضّل في الثامنة مساء يتطلب منك إنهاء واجبك قبل ذلك حتى لا يفوتك منه شيء"...
إنّ الطريقة التي توصل بها رسالتك لطفلك تحدث اختلافاً كبيراً في ردة فعله، وفي كلّ موقف يحدث بينك وبين طفلك هناك كلمات تصدر منك تدعو طفلك للعراك والعناد، بينما يمكنك أن تستخدم في الموقف نفسه كلمات عاقلة تدعو طفلك للطاعة والتفكير بهدوء، والأمثلة التالية توضح ذلك...
· عندما يتحدث الطفل بصوت عالٍ أو بأسلوب غير لائق مع والديه:
كلمات العراك: لا تتحدث معي بنبرة الصوت هذه، لا ترفع صوتك أمامي.
كلمات العقل: يبدو أنّك متضايق، سأكون سعيداً لو تحدثت معي بصوت منخفض مثلما أفعل أنا.
· عندما يتلكأ الطفل في أداء واجبه ويريد مشاهدة التلفزيون...
كلمات العراك: عليك أن تؤدي واجبك، لو لم تفعل لن أجعلك تشاهد التلفاز معنا.
كلمات العقل: خذ حريتك في مشاهدة التلفاز معنا بعد انتهاء واجبك.
· عندما يتعارك طفلان...
كلمات العراك: كفا عن العراك، لو لم تسكتا لضربتكما، أنتما دائماً مزعجان.
كلمات العقل: أنا متأكدة أنكما تستطيعان حل تلك المشكلة فيما بينكما بالحوار، وإن احتجتما للمساعدة فأنا جاهز.
· عندا لا يقوم الطفل بما عليه من أعمال منزلية...
كلمات العراك: أريدك أن تكنس حجرتك الآن.
كلمات العقل: سنلعب معاً بالشطرنج بمجرد أن تكنس حجرتك.
ربما تحتاج إلى بعض التمارين من أجل إعادة صياغة أوامرك وتعليماتك، فكر في الأشياء محل الجدال بينك وبين طفلك، اختر أكثر ثلاثة أشياء تتنازعون حولها، وقم بكتابتها، وأمام كلّ واحدة، قم بكتابة العبارة التي عادةً ما ترددها عندما يثار الموقف ويبدأ العراك، ثم فكر ما هي العبارة العقلانية الهادئة التي يمكن أن تكون بديلاً عن تلك العبارة المستفزة...
أكثر ثلاثة أشياء أتنازع بسببها مع ابني أو ابنتي
كلمات العراك التي اعتدت قولها
كلمات العقل التي سأجربها
نتيجة التجربة
(1)
(2)
(3)
تقول إحدى الأُمّهات: كنت أتعارك مع طفلي العنيد ونتجادل حول استغراقه لوقت طويل في حمامه الصباحي، وبعد تفكيري في ذلك الأمر؛ أدركت أنّ كلمات العراك التي كنت استخدمها كانت: "حسن، عليك أن تخرج من الحمام الآن"، ويكون رده: لا، لم انتهِ بعد، فهو يستمتع باللعب بالماء، فجربت معه كلمات العقل مثل: "حسن، هل أنت مستعد للخروج الآن؟"، ويجيب: لا، فجربت معه قولي: دقيقتان أخريان موافق؟ فقال موافقاً وبسرعة: لا بأس... فعلى الرغم من أنّ البحث عن العبارات الصحيحة يحتاج إلى مجهود إضافي، إلّا أنّك ستجد أنّ الأمر يستحق هذا المجهود عندما يبدأ طفلك العنيد في إظهار تعاونه معك بدلاً من مقاومة سلطتك...
أُمي.. لا تكوني مثل شرطي المرور الأعزل:
إذا وقف شرطي المرور بمفرده في زاوية الشارع ولم يكن لديه أي أداة أو وسيلة لإلقاء القبض على المخالفين ومعاقبتهم، فلم يكن سيارة شرطة أو دراجة بخارية، ولم يكن يرتدي زي الشرطة ولا يحمل مسدساً، وليس معه دفتر مخالفات ولا يمكنه تدوين المخالفات عليك، وبعد هذا كلّه وقف ليراقب سرعة السيارات على الطريق، وكان كلّ ما عليه هو أن يقف ويصرخ نحو مَن يتجاوز السرعة مهيناً إياه بكلمات بذيئة، فهل يستجيب له أحد ويهدئ من سرعته؟ بالطبع لا، لأنّ غضبه أصبح مجرد انفعال لا يترتب عليه أي أفعال...
في المقابل؛ لو أنّك خالفت السرعة وفجأة لمحت سيارة الشرطة تسير خلفك ونورها الأحمر يومض وطلب منك الوقوف، أو أوقفتك لجنة مرور على الطريق، واقترب منك رجل شرطة مهذب محترم ووقف بجوار نافذتك، ورأيته وهو يحمل مسدساً في كلّ جانب من جانبيه، وقال لك بصوت حازم ولكن بذوق وأدب: سيدي، إنّ وحدة الرادار التابعة لنا أشارت إلى أنّك كنت تسير بسرعة 130 كيلومتراً في الساعة، هات رخصتك من فضلك، ويفتح دفتر المخالفات ويميل نحوك، وعلى الرغم من أنّه لم يظهر نحوك أي عداء ولم يحرر المخالفة بعد لكنك قد ترتبك في الحال، وربما يخفق قلبك ويجف حلقك، وتشعر بثورة وعصبية بينما تضع المخالفة في حافظتك، فلماذا حدث لك ذلك رغم أنّه لم يبدِ نحوك أي انفعال سيئ؟ إنّ فعل الشرطي والسلطات التي في يده والعقوبات التي يوقعها بهدوء هي التي جعلتك تتوقف وتستجيب وتفكر في سرعة قيادة سيارتك في المستقبل...
إنّ الأُم التي تستخدم الصراخ – فقط – حتى يسمع أطفالها كلامها تشبه شرطي المرور الأعزل، وكان يكفيها أن تبحث عن عواقب حازمة تعالج بها سلوك أطفالها السيئ...
بهذه الطرق لن أطيعك يا أبي..
1- الإلحاح الذي ينتهي بصراخ.
2- التمني والتوسل.
3- الرشوة.
4- التهديدات عديمة الجدوى.
5- التوبيخ والمحاضرات.
6- الصراخ دون عقوبات.
وختاماً.. ابتعد عن الحلول السريعة:
كثير من الآباء يبحثون عن حلول سريعة لمشاكل أبنائهم، ففي مجتمعنا يتوقع الناس حلولاً سريعة لكلّ أنواع المشاكل، فإذا كنت تعاني من صداع فتناول حبة دواء، وإذا كنت جوعان عندك مطعم الوجبات السريعة، ومن هنا يحاول الجميع السيطرة على الطفل بحلول سريعة دون النظر للنتائج بعيدة المدى، فإذا وعدت طفلاً في الثالثة من عمره بشيكولاتة بشرط أن يجلس بهدوء لدقائق عند زيارتك لأحد الأقارب، فستجده على الأرجح يلتزم الهدوء كالملائكة، وإذا قمت بتهديد طفلك بالضرب، فإنّه سيغالب دموعه، ويكبت مشاعره، ويلتزم بما طلبت منه، ولكن الطفل الذي يمكن تهدئته بقطعة حلوى ربما ينمو ويصبح نفعياً؛ إن أخذ صار محترماً وإن منع عنه اعتدى، أما الطفل الذي يتم تهديده بالضرب فربما يصبح شخصاً بائساً مقهوراً إن ضرب صار محترماً وإن أكرمته تمرداً...
الخبير التربوي: عبد الله محمد عبد المعطي
المصدر: كتاب أطفالنا كيف يسمعون كلامنا؟
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق